الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
جمع شراب وهو ما يشرب من ماء وغيره من المائعات. أي من الوعيد والتهديد. 1865- حدثنا أبو زكريا يَحْيىَ بنُ دُرُسْتَ البصري، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن أَيّوبَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، ومِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ في الدّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا في الاَخِرَةِ". قال وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ وأَبِي سعَيدٍ وعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وابن عباس وعُبَادَةَ وأبي مَالِكٍ الأشْعَرِيّ. قال أبو عيسى حَدِيثُ ابنُ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ورَوَاهُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفاً ولَمْ يَرْفَعْهُ. 1866- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا جَرِير بن عبدالحميد عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عن عَبْدِ الله بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ عن أبيهِ قالَ: قالَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يقبل الله لَهُ صَلاَة أرْبَعِينَ صَبَاحاً، فإنْ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ، فإنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلْ الله لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فإنْ تَابَ تابَ الله عَلَيهِ فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صبحاً فإن تاب تاب الله عليه. فإنْ عَادَ الرابعة لَمْ يَقْبَل الله لَهُ صَلاَةُ أرْبَعِينَ صَبَاحاً، فإنْ تَابَ لَمْ يَتُبْ الله عَلَيْهِ وسقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ. قِيلَ يا أبَا عَبْدِ الرحمَنِ ومَا نَهْرُ الْخَبَالِ؟ قالَ: نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أهْلِ النّارِ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ. وقد رُوِيَ نَحْوُ هذَا عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وابنِ عَبّاسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (حدثنا يحيى بن درست) بضم الدال والراء المهملتين وسكون السين المهملة ابن زياد البصري ثقة، روي عن حماد بن زيد وإسماعيل القناد، وعنه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم، كذا في التقريب والخلاصة (كل مسكر خمر) فيه دليل عل أن كل مسكر يسمى خمراً وهو مذهب الجمهور وهو القول المنصور، وسيأتي الكلام في هذا في باب الحبوب التي يتخذ منها الخمر (وكل مسكر حرام) قال النووي: فيه تصريح بتحريم جميع الأنبذة المسكرة وأن كلها تسمى خمراً سواء في ذلك الفضيخ ونبيذ التمر والرطب والبسر والزبيب والشعير والذرة والعسل وغيرها، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد والجماهير من السلف والخلف انتهى (فمات وهو يدمنها) أي يداوم على شربها بأن لم يتب عنها حتى مات على ذلك. قال في القاموس: أدمن الشيء أدامه (لم يشربها في الاَخرة) وفي رواية لمسلم: من شرب الخمر في الدنيا فلم يتب منها حرمها في الاَخرة. قال النووي: معناه أنه يحرم شربها في الجنة وإن دخلها، فإنها من فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا العاصي بشربها في الدنيا، قيل إنه ينسى شهوتها لأن الجنة فيها كل ما يشتهى، وقيل لا يشتهيها وإن ذكرها ويكون هذا نقص نعيم في حقه تمييزاً بينه وبين تارك شربها وفي هذا الحديث دليل على أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وهو مجمع عليه انتهى. وقال الجزري في النهاية. هذ من باب التعليق في البيان أراد أنه لم يدخل الجنة لأن الخمر من شراب أهل الجنة فإذ لم يشربها في الاَخرة لم يكن قد دخل الجنة انتهى. وكذلك قال الخطابي والبغوي والأولى عندي أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: لم يشربها في الاَخرة على ظاهره، ففي إحدى روايات البيهقي: من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الاَخرة وإن دخل الجنة. روى أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمر ورفعه: من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة. وفي حديث أبي سعيد مرفوعاً: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاَخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو، أخرجه الطيالسي وصححه ابن حبان. قال ابن العربي: ظاهر الحديثين أنه لا يشرب الخمر في الجنة ولا يلبس الحرير فيها، وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته. كالوارث فإنه إذا قتل مورثة فإنه يحرم ميراثه لا ستعجاله، وبهذا قال نفر من الصحابة ومن العلماء انتهى. وقال القرطبي: ظاهر الحديث تأييد التحريم، فإن دخل الجنة شرب من جميع أشربتها إلا الخمر ومع ذلك فلا يتألم لعدم شربها ولا يحسد من يشربها وبكون حاله كحال أصحاب المنازل في الخفض والرفعة، فكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه لا يشتهيها أيضاً وليس ذلك بعقوبة له انتهى. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبادة وأبي مالك الأشعري وابن عباس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وعنه في الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والطبراني عنه وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة، ومن مات من أمتي وهو يتحلى الذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة. قال المنذري: رواه أحمد ثقات. وأما حديث عبادة فأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وبأكلهم الربا ولبسهم الحرير. وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل الله منهم القردة والخنازير. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد عن ابن المنكدر قال: حدثت عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن قال المنذري رواه أحمد هكذا ورجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن. وفي الباب أحاديث أخرى عن عدة من الصحابة غير الذين ذكرهم الترمذي إن شئت الوقوف عليها فارجع إلى الترغيب والترهيب للمنذري. قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. قوله: (عن عبد الله بن عبيد) ابن عمير بالتصغير أيضاً الليثي الجندعي المكي روى عن أبيه وعن ابن عمر، وعنه بديل بن ميسرة وغيره، وثقه أبو حاتم قال عمرو بن علي مات سنة ثلاث عشرة ومائة (عن أبيه) هو عبيد بن عمير بن قتادة الليثي أبو عاصم المكي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قاله مسلم، وعده غيره في كبار التابعين، وكان قاض أهل مكة مجمع على ثقته. قوله: (من شرب الخمر) أي ولم يتب منه (لم تقبل له صلاة) بالتنوين (أربعين صباحاً) ظرف. قال القاري في المرقاة. وفي نسخة يعني من المشكاة بالإضافة يعني بإضافة صلاة إلى أربعين، والمعنى لم يكن له ثواب وإن برئ الذمة وسقط القضاء بأداء أركانه مع شرائطه كذا قالوا. وقال النووي: إن لكل طاعة اعتبارين أحدهما سقوط القضاء عن المؤدي، وثانيهما ترتيب حصول الثواب، فعبر عن عدم ترتيب الثواب بعدم قبول الصلاة انتهى. وخص الصلاة بالذكر لأنها سبب حرمتها أو لأنها أم الخبائث على ما رواه الدارقطني عن ابن عمر، كما أن الصلاة أم العبادات، كما قال الله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} وقيل إنما خص الصلاة بالذكر لأنها أفضل عبادات البدن، فإذا لم يقبل منها فلأن لا يقبل منها عبادة أصلاً كان أولى. ولتبادر إلى الفهم من قوله أربعين صباحاً أن المراد صلاة الصبح وهي أفضل الصلوات، ويحتمل أن يراد به اليوم أي صلاة أربعين يوماً (فإن تاب) أي من شرب الخمر بالإقلاع والندامة (تاب الله عليه) أي قبل توبته (فإن عاد) أي إلى شربها (فإن عاد الرابعة) أي رجع الرابعة (فإن تاب لم يتب الله عليه) هذا مبالغة في الوعيد والزجر الشديد، وإلا فقد ورد: ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة رواه أبو داود والترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (وسقاه من نهر الخبال) بفتح الخاء المعجمة، والمعنى أن صديد أهل النار لكثرته يصير جارياً كالأنهار. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد، وأخرجه النسائي موقوفاً على ابن عمر مختصراً ولفظه: من شرب الخمر فلم ينتش لم تقبل له صلاة ما دام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافراً وإن انتشى لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإن مات فيها مات كافراً. قوله: (وقد روى نحو هذا عن عبد الله بن عمرو) أخرجه النسائي ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشرب الخمر فجعلها في بطنه لم تقبل منه صلاة سبعاً، وإن مات فيها مات كافراً، فإن أذهبت عقله عن شيء من الفرائض وفي رواية عن القرآن لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً، وإن مات فيها مات كافراً (وابن عباس) أخرجه أبو داود.
1867- حدثنا الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن أبي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن البِتْعِ؟ فَقَالَ: كُلّ شَرَابٍ أسكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. 1868- حدثنا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاطَ بنِ مُحمدٍ القُرَشِيّ الكوفي و أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ قَالا: حدثنا عَبْدُ الله بنُ إدْرِيسَ عن محمدِ بنِ عَمْرٍو عَنْ أبي سَلَمَةَ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". قال وفي البابِ عَنْ عُمَر وعَلِيّ وابنِ مَسْعُودٍ وأنسٍ وأبِي سَعِيدٍ وأبِي مُوسَى والأَشَجّ العصْرِيّ ودَيْلَمَ ومَيْمُونَةَ وابنِ عَبّاسٍ وقَيْسِ بنِ سَعْدٍ والنّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ ومُعَاوِيَةَ ووائل بن حجر وقرة المزني وعَبْدِ الله بنِ مُغفَلٍ وأُمّ سَلَمَةَ وبرَيْدَةَ وأَبِي هُرَيْرَةَ وعائشة. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسن. وقد رُوِيَ عن أبِي سَلَمَةَ عن أبِي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وكِلاَهُمَا صَحِيحٌ. رَوَاه غَيْرُ وَاحِدٍ عن محمدِ بنِ عَمْروٍ عَنْ أبِي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وعن أبي سَلَمَةَ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (سئل عن البتع) بكسر الموحدة وسكون الفوقية وقد يحرك وهو نبيذ العسل، كذا وقع تفسيره في رواية الشيخين، وقال في القاموس: البتع بالكسر وكعنب نبيذ العسل المشتد أو سلالة العنب أو بالكسر الخمر (فقال كل شراب أسكر فهو حرام) وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد والجماهير من السلف والخلف كما تقدم وهو الحق. قال الطيبي: قوله: كل شراب أسكر فهو حرام، جواباً عن سؤالهم عن البتع يدل على تحريم كل مسكر، وعلى جواز القياس بالطرد العلة انتهى. فإن قال أهل الكوفة إن قوله صلى الله عليه وسلم: كل شراب أسكر يعني به الجزء الذي يحدث عقبه السكر فهو حرام، فالجواب أن الشراب اسم جنس فيقتضي أن يرجع إلى التحريم إلى الجنس كله كما يقال: هذا الطعام مشبع والماء مر ويريد به الجنس، وكل جزء منه يفعل ذلك الفعل، فاللقمة تشبع العصفور وما هو أكبر منها يشبع ما هو أكبر من العصفور، وكذلك جنس الماء يروي الحيوان على هذا الحد فكذلك النبيذ. قال الطبري: يقال لهم أخبرونا عن الشربة التي يعقبها السكر أهي التي أسكرت صاحبها دون ما تقدمها من الشراب، أم أسكرت باجتماعها مع ما تقدم وأخذت كل شربة بحظها من الإسكار؟ فإن قالوا إنما أحدث له السكر الشربة الاَخرة التي وجد خبل العقل عقبها، قيل لهم: وهل هذه التي أحدثت له ذلك إلا كبعض ما تقدم من الشربات قبلها في أنها لو انفردت دون ما قبلها كانت غير مسكرة وحدها وأنها إنما أسكرت باجتماعها واجتماع عملها فحدث عن جميعها السكر، كذا في النيل. واعلم أن حديث عائشة هذا أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه لكن الترمذي لم يقل بعد روايته بأن حسن أو صحيح. وروى بعد هذا حديث ابن عمر وقال بعد روايته هذا حديث حسن صحيح ثم قال وفي الباب عن عمر الخ، ثم قال: هذا حديث حسن، فإن كانت الإشارة بقوله: هذا حديث حسن إلى حديث عائشة المذكور ففيه بعد كما لا يخفى، وإن كانت الإشارة إلى حديث ابن عمر فهو غير صحيح لأنه قد أشار إليه بقوله: هذا حديث حسن صحيح، فالظاهر أن يكون قوله: هذا حديث حسن صحيح بعد روايته حديث عائشة، وأن يكون قوله: هذا حديث حسن بعد رواية حديث ابن عمر. قوله: (حدثنا عبيد بن أسباط) بمفتوحة وسكون مهملة وبموحدة وطاء مهملة وترك صرف كذا في المغني (بن محمد القرشي) الكوفي روى عن أبيه وعبد الله بن إدريس، وعنه زت ق وثقه مطين، وقال مات سنة خمسين ومائتين كذا في الخلاصة. قوله: (كل مسكر حرام) تقدم الكلام عليه. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) حديث ابن عمر هذا أخرجه الترمذي مطولاً في الباب المتقدم. قوله: (وفي الباب عن عمر وعلي الخ) حديث عمر بلفظ: كل مسكر حرام عند أبي يعلى وفيه الإفريقي، وحديث علي بلفظ: اجتنبوا ما أسكر عند أحمد وهو حسن، وحديث ابن مسعود عند ابن ماجه من طريق لين بلفظ عمر، وأخرجه أحمد من وجه آخر لين أيضاً بلفظ علي، وحديث أبي سعيد أخرجه البزار بسند صحيح بلفظ عمر. وحديث الأشج العصري أخرجه أبو يعلى كذلك بسند جيد وصححه ابن حبان، وحديث ديلم أخرجه أبو داود بسند حسن فيه قال: هل يسكر؟ قال: نعم، فاجتنبوه. وحديث ميمونة أخرجه أحمد بسند حسن بلفظ: ولك شراب أسكر فهو حرام. وحديث ابن عباس أخرجه أبو داود من طريق جيد بلفظ عمر، والبزار من طريق لين بلفظ: واجتنبوه كل مسكر. وحديث قيس بن سعد أخرجه أحمد بلفظ حديث عمر. وحديث النعمان بن بشير أخرجه أبو داود بسند حسن بلفظ: وإني أنهاكم عن كل مسكر. وحديث معاوية أخرجه ابن ماجه بسند حسن بلفظ عمر، وحديث عبد الله بن مغفل أخرجه أحمد بلفظ: اجتنبوا المسكر. وحديث أم سلمة أخرجه أبو داود بسند حسن بلفظ: نهى عن كل مسكر ومفتر. وحديث بريدة أخرجه مسلم في أثناء حديث ولفظه مثل لفظ عمر. وحديث أبي هريرة أخرجه النسائي بسند حسن. وحديث وائل بن حجر أخرجه ابن عاصم. وحديث قرة المزني أخرجه البزار بلفظ عمر بسند لين كذا في الفتح. قلت: وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي في الباب الاَتي. وفي الباب أحاديث أخرى عن غير هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ذكرها الحافظ في الفتح في باب الخمر من العسل وهو البتع (وقد روى عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) أخرجه أحمد والنسائي.
1869- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا إسماعيلُ بنُ جَعْفَرٍ وحدثنا عَلِي بنُ حُجْرٍ أخبرنا إسماعيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن دَاوُدَ بنِ بَكْرٍ بنِ أبِي الفُرَاتِ عن ابنِ المُنْكَدِرِ عن جَابِرٍ بنِ عَبْدِ الله أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ". قال وفي البابِ عن سَعْدٍ وَعَائِشَةَ وعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وابنِ عُمَر وخَوّاتِ بنِ جُبَيْرٍ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. 1870- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى عن هِشَامِ بنِ حَسّانَ عن مَهْدِيّ بنِ مَيْمُونٍ وحدثنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيّ حدثنا مَهْدِي بنِ مَيْمُونٍ، المَعْنَى وَاحِدٌ، عن أبِي عُثْمانَ الأَنْصَارِيّ عن القَاسِمِ بنِ محمدٍ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الكَفّ مِنْهُ حَرَامٌ". قال أبو عيسى قالَ أحَدُهُمَا في حَدِيثِهِ: الحسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ. قال هذا حديثٌ حسنٌ. قد رَوَاهُ لَيْثُ بنُ أبِي سُلَيْمٍ والرّبِيعُ بنُ صَبِيْحٍ عن أبِي عُثْمَانَ الأَنْصَارِيّ نَحْوَ رِوَايَةِ مَهْدِيّ بنِ مَيْمونٍ. وأَبُو عُثْمانَ الأنْصَارِيّ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ سَالِمٍ ويُقَالُ عُمَرُ بنُ سَالِمٍ أيضاً. قوله: (عن داود بن بكر بن أبي الفرات) الأشجعي مولاهم المدني صدوق من السابعة. قوله: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) فيه رد على من قال من الحنفية إن الخمر يحرم قليله وكثيره وغيره من المسكرات يحرم قدر المسكر منه دون القليل، وهو باطل يبطله الأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة. قوله: (وفي الباب عن سعد وعائشة وعبد الله بن عمرو وابن عمر وخوات بن جبير) أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه الدارقطني والنسائي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره. وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد عنها مرفوعاً: ما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الدراقطني وفيه: حرام قليل ما أسكر كثيره، وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي وابن ماجه. وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني وصححه ولفظه مثل لفظ حديث الباب. وأما حديث خوات بن جبير فأخرجه الدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك. وقال المنذري بعد الكلام على حديث جابر المذكور في الباب ما نصه: وقد روى هذا الحديث من رواية علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو، وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسناداً، فإن النسائي رواه في سننه عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير، وقد احتج به البخاري ومسلم في الصحيحين عن الضحاك بن عثمان، وقد احتج به مسلم في صحيحه عن بكير بن عبد الله الأشج عن عارم بن سعد بن أبي وقاص، وقد احتج البخاري ومسلم بهما في الصحيحين انتهى. قوله: (هذا حديث حسن غريب من حديث جابر) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه، وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات. قوله: (عن مهدي بن ميمون) الأزدي المغولي البصري ثقة من صغار السادسة (عن عثمان الأنصاري) المدني قاضي مرو مقبول من الرابعة. قوله: (ما أسكر الفرق) بفتح الراء وسكونها والفتح أشهر، وهو مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وقيل هو بفتح الراء كذلك فإذا سكنت فهو مائة وعشرون رطلاً (منه) أي من كل مسكر (فملء الكف منه حرام) قال الطيبي: الفرق وملء الكف عبارتان عن التكثير والتقليل لا التحديد، ويؤيده الحديث السابق. قوله: (قال أحدهما) أي محمد بن بشار وعبد الله بن معاوية (في حديثه الحسوة منه حرام) أي مكان ملء الكف منه حرام، والحسوة بضم الحاء المهملة وسكون السين، الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة وبالفتح المرة. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود ورواته كلهم محتج بهم في الصحيحين سوى أبي عثمان عمرو، ويقال عمر بن سالم الأنصاري مولاهم المدني ثم الخراساني، وهو مشهور ولي القضاء بمرو، ورأى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عباس، وسمع من القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وروى عنه غير واحد. قال المنذري: لم أر أحداً قال فيه كلاماً. وقال الحاكم: هو معروف بكنيته وأخرجه أيضاً ابن حبان وأعله الدارقطني بالوقف كذا في النيل.
قال الجزري في النهاية النبيذ هو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك، يقول نبذت التمر والعنب: إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصرف من مفعول إلى فعيل، وانتبذته اتخذته نبيذاً، وسواء كان مسكراً أو غير مسكر انتهى. والنبيذ حلال اتفاقاً ما دام اتفاقاً ما دام حلواً ولم ينته إلى حد الإسكار لقوله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام. والجر بفتح الجيم وتشديد الراء جمع جرة كتمر جمع تمرة، وهو بمعنى الجرار، الواحدة جرة، وهي كل ما يصنع من مدر. 1871- حدثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا ابنُ عُلَيّةَ و يَزِيدُ بنُ هَارُونَ قالا أخبرنا سُلَيْمانُ التّيْمِيّ عَنْ طَاوسٍ أنّ "رَجُلاً أتَى ابنَ عُمَرَ فَقَالَ: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن نَبِيذِ الْجَرّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ طاوس: والله إِنّي سَمِعْتُهُ مِنْهُ". قال وفي البابِ عن ابنِ أبي أوْفَى وأبي سَعِيدٍ وسُوَيْدٍ وعَائِشَةَ وابنِ الزّبَيْرِ وابنِ عَبّاسٍ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (حدثنا ابن علية) هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم (حدثنا سليمان التيمي) هو ابن طرخان (عن طاؤس) هو ابن كيسان. قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بحذف همزة الاستفهام، وفي رواية النسائي: أنهى بذكر الهمزة (فقال نعم) أي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر. قال في النهاية: الجر والجرار جمع جرة وهو الإناء المعروف من الفخار. وأراد بالنهي عن الجرار المدهونة لأنها أسرع في الشدة والتخمير انتهى. وهذا يدخل فيه جميع أنواع الجرار من الختم وغيره وهو منسوخ كما سيأتي. وروى مسلم عن سعيد بن جبير أنه قال لابن عباس: ما الجر؟ فقال: كل شيء يصنع من المدر. قال النووي: هذا تصريح من ابن عباس بأن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذي هو التراب انتهى (فقال طاؤس الخ) هذا قول سليمان التيمي. قوله: (وفي الباب عن ابن أبي أوفى وأبي سعيد وسويد وعائشة وابن الزبير وابن عباس) أما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه البخاري وغيره عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجر الأخضر، قلت: أيشرب في الأبيض؟ قال: لا. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم. وأما حديث سويد وهو ابن مقرن فأخرجه أحمد عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبيذ في جرة فسألته فنهاني عنها فكسرتها. وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه عنها أنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبذ في الجر وفي كذا وفي كذا إلا الخل. وأما حديث ابن الزبير فأخرجه النسائي. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي.
الدباء بضم الدال المهملة وتشديد الباء وهو القرع اليابس، وهو من الاَتية التي يسرع الشراب في الشدة إذا وضع فيها، وأما النقير فبالنون المفتوحة والقاف وهو فعيل بمعنى مفعول من نقر ينقر، وكانوا يأخذون أصل النخلة فينقرونه في جوفه ويجعلونه إناء ينتبذون فيه لأن له تأثيراً في شدة الشراب. وأما الحنتم فبحاء مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ثم ميم الواحدة حنتمة. 1872- حدثنا أبو مُوَسى محمدُ بنُ المثَنّى حدثنا أبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ حدثنا شُعْبَةُ عن عَمْرِو بنُ مُرّةَ قالَ سَمِعْتُ زَاذَانَ يقولُ: "سأَلْتُ ابنَ عُمَرَ عمّا نَهَى عَنْهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الأَوْعِيَةِ أخْبِرْنَاهُ بِلُغَتِكم وَفَسّرْهُ لَنَا بِلُغَتِنَا. فقَالَ: نَهَى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الْحَنْتَمَةِ وهِيَ الْجَرّةُ، ونَهَى عن الدّبّاءِ وهِيَ القرعَةُ، ونَهَى عن النّقِيرِ وِهو أصْلُ النّخْلِ يُنْقَرُ نَقْراً أوْ ينسح نَسْحاً، ونَهَى عن المُزَفّتِ وَهُي المُقَيّرُ، وَأَمَرَ أنْ يُنْبَذَ في الأَسْقِيَةِ". قال وفي البابِ عن عُمَر وَعَلِيّ وابنِ عبّاسٍ وأبي سَعِيدٍ وأبي هُرَيْرَةَ وعَبْدِ الرحمنِ بنِ يَعْمُرَ وسَمُرَةَ وأنَسٍ وَعَائِشَةَ وعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وعَائِذ ابنِ عمْرو والْحَكَمِ الغِفَارِيّ ومَيْمُونَةَ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن عمرو بن مرة) هو الجميل المرادي أبو عبد الله الكوفي. قوله: (سألت ابن عمر عن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوعية الخ) وفي رواية مسلم: قال: قلت لابن عمر حدثني بما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الأشربة بلغتك وفسره لي بلغتنا، فإن لكم لغة سوى لغتنا (وأخبرناه بلغتكم) أي وقلت له أخبرناه أي حدثنا بما نهى النبي صلى الله عليه وسلم بلغتكم (وهي الجرة) قال النووي: اختلف في الحنتم وأصبح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر، وهذا التفسير ثابت في كتاب الأشربة من صحيح مسلم عن أبي هريرة، وهو قول عبد الله بن مغفل الصحابي وبه قال الأكثرون أو كثيرون من أهل اللغة وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء. والثاني أنها الجرار كلها، قاله عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وأبو سلمة والثالث أنها جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الأجواف وروى ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه ونحوه عن ابن أبي ليلى وزاد أنها حمر. والرابع عن عائشة رضي الله تعالى عنها جرار أحمر أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر. والخامس عن ابن أبي ليلى أيضاً أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر. والسادس عن عطاء جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم انتهى. (وهي القرعة) أي اليابسة (ونهى عن النقير وهي أصل النخل ينقر نقراً أي ينسج نسجاً) كذا في النسخ الموجودة بالجمي. قال الجزري في النهاية: هي النخلة تنسج نسجاً هكذا جاء في مسلم والترمذي. وقال بعض المتأخرين: هو وهم وإنما هو بالحاء المهملة، قال: ومعناه أن ينحى قشرها عنها وتملس وتحفر. وقال الأزهري: النسج ما تحات عن التمر من قشره وأقماعه مما يبقى في أسفل الوعاء انتهى. ووقع في رواية مسلم: تنسح نسحاً بالحاء المهملة. قال النووي: هكذا هو في معظم الروايات، والنسح بسين وحاء مهملتين أي تقشر ثم تنقر فتصير نقيراً، ووقع لبعض الرواة في بعض النسخ تنسج بالجيم، قال القاضي وغيره: هو تصحيف، وادعى بعض المتأخرين أنه وقع في نسخ صحيح مسلم وفي الترمذي بالجيم وليس كما قال بل معظم نسخ مسلم بالحاء انتهى (ونهى عن المزفت) بتشديد الفاء المفتوحة وهو الإناء المطلي بالزفت وهو الإناء المطلي بالزفت وهو القير (وهو النفير) بضم الميم وفتح القاف والياء المشددة. قال النووي: معنى النهي عن هذه الأربع هو أنه نهى عن الإنتباذ فيها وهو أن يجعل في الماه حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراماً نجساً وتبطل ماليته، فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه انتهى (وأمر أن ينتبذ في الأسقية) قال النووي: لم ينه عن الإنتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يحفى فيها المسكر بل إذا صار مسكراً شقها غالباً انتهى. وقال القاري: المراد بالنهي عن هذه الأربع ليس استعمالها مطلقاً بل النقيع فيها والشرب منها ما يسكر وإضافة الحكم إليها خصوصاً إما لاعتيادهم استعمالها في المسكرات أو لأنها أوعية تسرع بالإشتداد فيها يستنقع لأنها غليظة لا يترشح منها الماء ولا ينفذ فيها الهواء فلعلها تغير النقيع في زمان قليل ويتناوله صاحبه على غفلة بخلاف السقاء فإن التغير فيه يحدث على مهل، والدليل على ذلك ما روى أنه قال: نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً. وقيل هذه الظروف كانت مختصة بالخمر فلما حرمت الخمر حرم النبي صلى الله عليه وسلم استعمال هذه الظروف إما لأن في استعمالها تشبيهاً بشرب الخمر، وإما لأن هذه الظروف كان فيها أثر الخمر، فلما أمضت مدة أباح النبي صلى الله عليه وسلم استعمال هذه الظروف، فإن أثر الخمر زال عنها. وأيضاً في ابتداء تحريم شيء يبالغ ويشدد ليتركه الناس مرة فإذا تركه الناس واستقر الأمر يزول التشديد بعد حصول المقصود انتهى كلام القاري. قال النووي: ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنها يعني الذي يأتي في الباب الذي يليه. قوله: (وفي الباب عن عمر وعلي وابن عباس الخ) أما حديث عمر فلينظر من أخرجه. وأما حديث علي فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضاً الشيخان وأبو داود والنسائي. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. وأما حديث عبد الرحمن بن يعمر بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الميم فأخرجه ابن ماجه عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم. وأما حديث سمرة فأخرجه أحمد. وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان والنسائي. وأما حديث عائشة فأخرجه أيضاً الشيخان والنسائي. وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد. وأما حديث عائذ بن عمرو وحديث الحكم الغفاري فلينظر من أخرجهما. وأما حديث ميمونة فأخرجه أحمد عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير ولا في الجرار وقال: كل مسكر حرام. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي.
1873- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ وَ الْحَسَنُ بنُ عَلِي وَ محمودُ بنُ غَيْلاَنَ قَالُوا حدثنا أبُو عَاصِمٍ حدثنا سُفْيَانُ عن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ عن سُلَيْمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبِيهِ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن الظّرُوفِ. وإنّ ظَرْفاً لا يُحِلّ شَيْئاً ولا يُحَرّمُهُ، وكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1874- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبُو دَاوُدَ الْحفرِيّ عن سُفْيَانَ عن مَنْصُورٍ عن سَالِم بنِ أبي الْجَعْدِ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الظّرُوفِ، فَشَكَتْ إليه الأَنْصَارُ، فَقَالُوا لَيْسَ لَنَا وِعَاءٌ، قَالَ: فَلاَ إذَنْ". قال وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وأبي سعيد وأبي هُرَيْرَةَ وعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (والحسن بن علي) هو الخلال الحلواني (حدثنا أبو عاصم) اسمه الضحاك بن مخلد النبيل (حدثنا سفيان) هو الثوري. قوله: (إني كنت نهيتكم عن الظروف) أي عن الإنتباذ في ظرف من هذه الظروف المذكورة في الباب المتقدم (وأن ظرفاً لا يحل) بضم أوله أي لا يبيح (ولا يحرمه وكل مسكر حرام) وفي رواية لمسلم: نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً. قال النووي: كان الإنتباذ في الحنتم والدباء والنقير والمزفت منهياً عنه في أول الإسلام خوفاً من أن يصير مسكراً فيها ولا نعمل به لكثافتها فيتلف ماليته وربما شربه الإنسان ظاناً أن لم يصر مسكراً فيصير شارباً للمسكر، وكان العهد قريباً بإباحة المسكر، فلما طال الزمان واشتهر تحريم المسكرات وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك وأبيح لهم الإنتباذ في كل وعاء بشرط أن لا تشربوا مسكراً، وهذا صريح قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة: كنت نهيتكم عن الإنتباذ إلا في سقاء الحديث. قال هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخاً هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء. قال الخطابي: القول بالنسخ هو أصح الأقاويل. قال وقال قوم: التحريم باق وكرهوا الإنتباذ في هذه الأوعية، ذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق وهو مروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال في المنتقى: رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود. قوله: (عن سفيان) هو الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم ابن أبي الجعد) هو الأشجعي الكوفي. قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظروف) جمع ظرف وهو الوعاء أي عن الإنتباذ فيها. وفي رواية مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر: نهى عن الدباء والمزفت (فقالوا ليس لنا وعاء) وفي رواية البخاري: فقالت الأنصار إنه لا بد لنا منها (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا إذاً) قال الحافظ: جواب وجزاء، أي إذا كان كذلك لا بد لكم منها فلا تدعوها، وحاصله أن النهي كان ورد على تقدير عدم الاحتياج أو وقع وحي في الحال بسرعة، أو كان الحكم في تلك المسألة مفوضاً لرأيه صلى الله عليه وسلم. وهذه الاحتمالات ترد على من جزم بأن الحديث حجة في أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالاجتهاد انتهى. وفي عمدة القاري: قال ابن بطال: النهي عن الأوعية إنما كان قطعاً للذريعة فلما قالوا لا بد لنا، قال: انتبذوا فيها، وكذلك كل نهي كان لمعنى النظر إلى غيره، كنهيه عن الجلوس في الطرقات، فلما ذكروا أنهم لا يجدون بداً من ذلك قال: إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: الإنتباذ في جميع الأوعية كلها مباح، وأحاديث النهي عن الإنتباذ منسوخة بحديث جابر هذا، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم جميع الأوعية والظروف حين قال له الأنصار لا بد لنا منها، فقال: فلا إذاً ولم يستثن منها شيئاً انتهى. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو) أما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني كنت نهيتكم عن نبيذ الأوعية، ألا وإن وعاء لا يحرم شيئاً، كل مسكر حرام. وأما حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد فلينظر من أخرجهما. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الشيخان عنه قال: لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ في الأوعية قالوا: ليس كل الناس يجد، فأرخص لهم في الجر غير المزفت. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.
أي في الإنتباذ في السقاء. 1875- حدثنا محمدُ بنُ المُثَنّى حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ عن يُونسَ بنِ عُبَيْدٍ عن الْحَسَنِ البَصَرِيّ عن أُمّهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُنّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سِقَاءِ يُوكَأُ في أَعْلاَهُ له عَزْلاَءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً وَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَنَنْبِذَهُ عِشَاءً وَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً". قال وفي البابِ عن جَابِرٍ وأبي سَعِيدٍ وابنِ عبّاسٍ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ إلاّ مِنْ هَذَا الوجه. وقد روي هذا الحديث مِنْ غيْر هَذَا الوَجْهِ عن عَائِشَةَ أيْضاً. قوله: (عن يونس بن عبيد) بن دينار العبدي (عن أمه) اسمها خيرة مولاة أم سلمة مقبولة من الثانية. قوله: (كنا ننبذ) بكسر الموحدة ويجوز ضم النون الأولى مع تخفيف الموحدة وتشديدها، وفي القاموس: النبذ الطرح، والفعل كضرب، والنبيذ الملقى وما نبذ من عصير ونحوه، وقد نبذه وأنبذه وانتبذه ونبذه انتهى، أي نطرح الزبيب ونحوه (في سقاء) بكسر أوله ممدوداً (يوكأ أعلاه) أي يشد رأسه بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة. اعلم أنه قد وقع في النسخ الموجودة يوكأ بالهمز وكذا وقع في صحيح مسلم. قال النووي: قولها في سقاء يوكأ هذا مما رأيته يكتب ويضبط فاسداً وصوابه يوكي بالياء غير مهموز انتهى. وذكر صاحب القاموس في المعتل وقال الوكاء ككساء رباط القرية وغيرها، وقد وكاها وأوكاها وعليها انتهى، وكذا ذكره صاحب النهاية في المعتل، ويدل على أنه معتل لا مهموز قوله صلى الله عليه وسلم أوكوا السقاء في حديث جابر بضم الكاف (له) أي للسقاء (عزلاء) بفتح العين المهملة وإسكان الزاي وبالمد وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة. قال ابن الملك: أي له ثقبة في أسفله يشرب منه الماء (ننبذه) أي نطرح التمر ونحوه في السقاء (غدوة) بالضم ما بين الصلاة الغدوة وطلوع الشمس (ويشربه) أي هو يعني النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك المنبوذ (عشاء) بكسر العين وفتح الشين وبالمد وهو ما بعد الزوال إلى المغرب على ما في النهاية وحديث عائشة هذا لا يخالف حديث ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب في السقاء فيشربه يومه والغد وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالثة شربه وسقاه، فإن فضل شيء أهراقه، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، فإن الشرب في يوم لا يمنع الزيادة. وقال بعضهم: لعل حديث عائشة كان زمن الحر وحيث يخشى فساده في الزيادة على يوم، وحديث أبي عباس في زمن يؤمن فيه التغير قبل الثلاث، وقيل حديث عائشة محمول على نبيذ قليل يفرغ في يومه، وحديث ابن عباس في كثير لا يفرغ فيه. قوله: (وفي الباب عن جابر وأبي سعيد وابن عباس) أما حديث جابر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عنه قال: كان ينتبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء فإذا لم يجدوا سقاء، نبذ له في تور من حجارة. وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عباس فقد تقدم تخريجه ولفظه آنفاً. قوله: (وهذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود.
1876- حدثنا محمدُ بنُ يَحيَى حدثنا محمدُ بنُ يُوسُفَ حدثنا إسْرَائِيلُ حدثنا إبراهيمُ بنُ مُهَاجِرٍ عن عَامِرٍ الشّعْبِيّ عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِنَ الْحِنْطَةِ خَمْراً، ومِنَ الشّعِيرِ خَمْراً، ومِنَ التّمْرِ خَمْراً، ومِنَ الزّبِيبِ خَمْراً، ومِنَ العَسَلِ خَمْراً". قال وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ. 1877- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الْخَلاّلُ حدثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ عن إسْرَائِيلَ نَحْوَهُ ورَوَى أبُو حَيّانَ التّيْمِيّ هذا الْحَديث عن الشّعْبِيّ عن ابنِ عُمَرَ عن عُمَرَ قالَ: "إنّ من الْحِنْطَةِ خَمْراً" فَذَكَرَ هذا الْحَدِيثَ. 1878- حدثنا بِذَلِكَ أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ إدْرِيسَ عن أبي حَيّانَ التّيْميّ عن الشّعْبِيّ عن ابنِ عُمَرَ عن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ: "إنّ مِنَ الْحنْطَةِ خمْراً" بهذا وهذا أصَحّ مِنْ حَدِيثِ إبراهيمَ بنِ مُهَاجِرٍ. وقالَ عَلِيّ بنُ المَدينِيّ قالَ: يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ. لَمْ يَكُنْ إبراهيمُ بنُ المُهَاجِرِ بالْقَويّ. في الحديث وقد روى من غير وجه أيضاً عن الشعبيّ عن النعمان بن بشير. 1879- حدثنا أحمدُ بنُ محمدٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ حدثنا الأُوْزَاعِيّ و عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ قالا حدثنا أَبُو كَثِيرٍ السّحَيْمِيّ قالَ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ يقُولُ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشّجَرَتَيْنِ: النّخْلَة والعِنَبَة". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأبُو كَثِيرٍ السّحيْمِيّ هُوَ الغبرِيّ واسْمُهُ يَزِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ غُفَيْلَةَ وروى شعبة عن عكرمة بن عمار هذا الحديث. قوله: (حدثنا محمد بن يحيى) الظاهر أنه هو الذهلي (حدثنا محمد بن يوسف) هو الضبي مولاهم الفريابي (حدثنا إسرائيل) هو ابن يونس (حدثنا إبراهيم بن مهاجر) هو البجلي الكوفي. قوله: (إن من الحنطة خمراً) قال ابن الملك: تسميته خمراً مجاز لإزالته العقل. قلت: قول ابن الملك هذا ليس بصحيح بل هذا الحديث نص صريح في أن تسميته خمراً على سبيل الحقيقة لا على سبيل المجاز، وقد قال عمر رضي الله عنه: إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل. أخرجه الشيخان. قال الخطابي: في حديث النعمان بن بشير تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بما قاله عمر من كون الخمر من هذه الأشياء، وليس معناه أن الخمر لا تكون إلا من هذه الخمسة بأعيانها، وإنما جرى ذكرها خصوصاً لكونها معهودة في ذلك الزمان، فكلما كان في معناها من ذرة أو سلت أو لب ثمرة وعصارة شجرة فحكمها حكمها كما قلنا في الربا ورددنا إلى الأشياء الأربعة المذكورة في الخبر كلما كان في معناها من غير المذكور فيه انتهى. قال الحافظ في الفتح: هذا الحديث يعني قول عمر: نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء الخ أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث المرفوعة لأن له عندهم حكم الرفع لأنه خبر صحابي شهد التنزيل أخبر عن سبب نزولها، وقد خطب به عمر على المنبر بحضرة كبار الصحابة وغيرهم، فلم ينقل عن أحد منهم إنكاره، وأراد عمر بنزول تحريم الخمر نزول قوله تعالى {إنما الخمر والميسر} الاَية فأراد عمر التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الاَية ليس خاصاً بالمتخذ من العنب بل يتناول المتخذ من غيرها: قال قوله: والخمر ما خامر العقل أي غطاه أو خالطه فلم يتركه على حاله، وهو من مجاز التشبيه، والعقل هو آلة التمييز فلذلك حرم ما غطاه أو غيره لأن بذلك يزول الإدراك الذي طلبه الله من عباده ليقوموا بحقوقه. قال الكرماني هذا تعريف بحسب اللغة، وأما بحسب العرف فهو ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة. قال الحافظ: وفي نظر لأن عمر ليس في مقام تعريف اللغة بل هو في مقام تعريف الحكم الشرعي فكأنه قال: الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع هو ما خامر العقل، على أن عند أهل اللغة اختلافاً في ذلك كما قدمته، ولو سلم أن الخمر في اللغة يختص بالمتخذ من العنب فالاعتبار بالحقيقة الشرعية، وقد تواردت الأحاديث على أن المسكر من المتخذ من غير العنب يسمى خمراً، والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة، قال البيهقي: ليس المراد الحصر فيهما لأنه ثبت أن الخمر تتخذ من غيرهما في حديث عمر وغيره، وإنما فيه الإشارة إلى أن الخمر شرعاً لا تختص بالمتخذ من العنب. وقال الحافظ يحمل حديث أبي هريرة على الغالب أي أكثر ما يتخذ الخمر من العنب والتمر، ويحمل حديث عمر ومن وافقه على إرادة استيعاب ذكر ما عهد حينئذ أنه يتخذ منه الخمر. قال الراغب في مفردات القرآن: سمى الخمر لكونه خامراً للعقل أي ساتراً له، وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر، وعند بعضهم للمتخذ من العنب خاصة، وعند بعضهم للمتخذ من العنب والتمر، وعند بعضهم لغير المطبوخ، فرجح أن كل شيء يستر العقل يسمى خمراً حقيقة، وكذا قال أبو نصر بن القشيري في تفسيره. سميت الخمر خمراً لسترها العقل أو لاختمارها، وكذا قال غير واحد من أهل اللغة منهم أبو حنيفة الدينوري وأبو نصر الجوهري. ونقل عن ابن الأعرابي قال سميت الخمر لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها يغير رائحتها، وقيل سميت بذلك لمخامرتها العقل. نعم جزم ابن سيده في المحكم بأن الخمر حقيقة إنما هي للعنب وغيرها من المسكرات يسمى خمراً مجازاً. وقال صاحب الفائق في حديث: إياكم والغبيراء فإنها خمر العالم هي نبيذ الحبشة متخذة من الذرة، سميت الغبيراء لما فيها من الغيرة، وقوله خمر العالم أي هي مثل خمر العالم لا فرق بينها وبينها، وقيل أراد أنها معظم خمر العالم. وقال صاحب الهداية من الحنفية: الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو المعروف عند أهله اللغة وأهل العلم، قال: وقيل هو اسم لكل مسكر لقوله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر. ولأنه من مخامرة العقل وذلك موجود في كل مسكر، قال: ولنا إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب ولهذا اشتهر استعمالها فيه، ولأن تحريم الخمر قطعي وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظني، قال: وإنما سمي الخمر خمراً لتخمره لا لمخامرة العقل، قال: ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصاً فيه كما في النجم فإنه مشتق من الظهور ثم هو خاص بالثريا انتهى. قال الحافظ: والجواب عن الحجة الأولى: ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمراً. وقال الخطابي: نزعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمراً عرب فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحاً لما أطلقوه. وقال ابن عبد البر: قال الكوفيون: إن الخمر من العنب لقوله تعالى: "أعصر خمراً" قال: فدل على أن الخمر هو ما يعتصر لا ينتبذ، قال: ولا دليل فيه على الحصر. وقال أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم: كل مسكر خمر وحكمه حكم ما اتخذ من العنب. ومن الحجة لهم أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم الصحابة وهم أهل اللسان أن كل شيء يسمى خمراً يدخل في النهي، فأراقوا المتخذ من التمر والرطب والم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب. وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمراً من الشرع كان حقيقة شرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية. وعن الثانية: أن اختلاف مشتركين في الحكم في الغلط لا يلزم منه افتراقهما وفي التسمية كالزنا مثلاً فإنه يصدق على من وطيء أجنبية وعلى وطء امرأة جاره، والثاني أغلظ من الأول، وعلى من وطئ محرماً له وهو أغلظ، واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة. وأيضاً فالأحكام الفرعية لا يشترط فيها الأدلة القطعية، فلا يلزم من القطع بتحريم المتخذ من العنب وعدم القطع بتحريم المتخذ من غيره أن لا يكون حراماً بل يحكم بتحريمه إذا ثبت بطريق ظني تحريمه، وكذا تسميته خمراً. وعن الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب بما نفاه هو، وكيف يستجيز أن يقول لا لمخامرة العقل مع قول عمر بمحضر الصحابة الخمر ما خامر العقل، وكان مستنده ما ادعاه من اتفاق أهل اللغة، فيحمل قول عمر على المجاز، لكن اختلف قول أهل اللغة في سبب الخمر خمراً، فقال أبو بكر بن الأنباري: سميت الخمر خمراً لأنها تخامر العقل أي تخالطه، قال: ومنه قولهم خامره الداء أي خالطه، وقيل لأنها تخمر العقل أي تستره، ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها. وهذا أخص من التفسير الأول لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية، وقيل سميت خمراً لأنها تخمر حتى تدرك كما يقال: خمرت العين فتخمر أي تركته حتى أدرك، ومنه خمرت الرأي أي تركته حتى ظهر وتحرر، وقيل سميت خمراً لأنها تغطي حتى تغلي ومنه حديث المختار بن فلفل قلت لأنس: الخمر من العنب أو من غيرها؟ قال: ما خمرت من ذلك فهو الخمر، أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح، ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها لثبوتها عن أهل اللغة وأهل المعرفة باللسان. قال ابن عبد البر: الأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت، فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه. وقال القرطبي: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمراً ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره، بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه، ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان تقرر عندهم من النهي عن إضاعة المال، فلما لم يفعلوا ذلك وبادروا إلى الإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصاً، فصار القائل بالتفريق سالكاً غير سبيلهم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر بما يوافق ذلك وسمعه الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك، وقد ذهب إلى التعميم عمر وعلي وسعد وابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وابن عباس وعائشة، ومن التابعين سعيد بن المسيب وعروة والحسن وسعيد بن جبير وآخرون، وهو قول مالك الأوزاعي والثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة وأهل الحديث. قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن من أطلق على غير المتخذ من العنب حقيقة يكون أراد الحقيقة الشرعية، ومن نفي أراد الحقيقة اللغوية، وقد أجاب بهذا ابن عبد البر وقال: إن الحكم إنما يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي، وقد تقرر أنه نزل تحريم الخمر وهي من البسر إذ ذاك، فيلزم من قال إن الخمر حقيقة في ماء العنب مجاز في غيره أن يجوز إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه، لأن الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازاً، وهو لا يجوز ذلك، فصح أن الكل خمر حقيقة ولا انفكاك عن ذلك: وعلى تقدير إرخاء العنان والتسليم بأن الخمر حقيقة من ماء العنب خاصة فإنما ذلك من حيث الحقيقة اللغوية، فأما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقة لحديث: كل مسكر خمر، فكل ما اشتد كان خمراً، وكل خمر يحرم قليله وكثيره، وهذا يخالف قولهم وبالله التوفيق انتهى كلام الحافظ. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي بعد هذا. قوله: (هذا حديث غريب) أخرجه الخمسة إلا النسائي، كذا في المنتقى. قال الشوكاني: في إسناده إبراهيم بن المهاجر البجلي الكوفي، قال المنذري: قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة انتهى. قال ابن المديني لإبراهيم بن مهاجر نحو أربعين حديثاً وقال أحمد: لا بأس به، وقال النسائي والقطان: ليس بالقوي انتهى. قلت: وقال في التقريب: صدوق لين الحفظ. قوله: (الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة) قال الخطابي: هذا غير مخالف لما تقدم ذكره من حديث النعمان بن بشير، وإنما وجهه ومعناه أن معظم ما يتخذ منه الخمر إنما هو من النخلة والعنبة وإن كانت الخمر قد تتخذ أيضاً من غيرهما، وإنما هو من باب التوكيد لتحريم ما يتخذ من هاتين الشجرتين لضرواته وشدة سورته، وهذا كما يقال: الشبع في اللحم والدفء في الوبر ونحو ذلك من الكلام، وليس فيه نفي الشبع من غير اللحم ولا نفي الدفء عن غير الوبر، ولكن فيه التوكيد لأمرهما والتقديم لهما على غيرهما في نفس ذلك المعنى انتهى. قلت: الأمر كان قال الخطابي، وغاية ما هناك أن مفهوم الخمر المدلول عليه باللام معارض بالمنطوقات وهي أرجح بلا خلاف. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى (وأبو كثير السحيمي) بضم السين وفتح الحاء المهملتين مصغراً (هو الغبري) بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة (اسمه يزيد بن عبد الرحمن بن غفيلة) بضم الغين المعجمة وفتح الفاء مصغراً اليمامي الأعمى ثقة من الثالثة.
أصل الخلط تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض، والبسر بضم الموحدة نوع من ثمر النخل معروف، والمراد هنا التمر قبل إرطابه كما في القاموس. 1880- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عن عَطَاءٍ بنِ أبي رَبَاحٍ عن جَابِر بنِ عَبْدِ الله أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "نَهَى أنْ يُنْبَذَ البُسْرُ والرّطَبُ جَمِيعاً". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1881- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا جَرِيرٌ عن سُلَيْمانَ التّيْمِيّ عَنْ أبي نَضْرَةَ عن أبي سَعِيدٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن البُسْرِ والتّمْرِ أنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، وعن الزّبِيبِ وَالتّمْرِ أنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، ونَهَى عن الْجِرَارِ أنْ ينبذ فِيهَا". قال وفي البابِ عن جابر و أنَسٍ وأبي قَتَادَةَ وابنِ عَبّاسٍ وأُمّ سَلَمَةَ وَمَعْبَدِ بنِ كَعْبٍ عن أُمّهِ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة واسم أبي رباح أسلم القرشي المكي ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال من الثالثة، وقيل أنه تغير بآخره مولاهم ولم يكن ذلك منه. قوله: (نهى أن ينتبذ البسر والرطب جميعاً) وفي رواية لمسلم: نهى أن يخلط الزبيب والتمر والبسر والتمر، وفي أخرى له: لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر نبيذاً. قال النووي: هذه الأحاديث صريحة في النهي عن انتباذ الخليطين وشربهما وهما تمر وزبيب، أو تمر ورطب، أو تمر وبسر، أو رطب وبسر، أو زهو وواحد من هذه المذكورات ونحو ذلك. قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: سبب الكراهة فيه أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنه ليس مسكراً ويكون مسكراً. ومذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهي لكراهة التنزيه ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكراً، وبهذا قال جماهير العلماء. وقال بعض المالكية: هو حرام، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في روايته عنه: لا كراهة فيه ولا بأس به لأن ما حل مفرداً حل مخلوطاً، وأنكر عليه الجمهور وقالوا منابذة لصاحب الشرع، فقد ثبت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه، فإن لم يكن حراماً كان مكروهاً. واختلف أصحاب مالك في أن النهي هل يختص بالشرب أم يعمه وغيره، والأصح التعميم، أما خلطهما لا في الإنتباذ بل في معجون وغير فلا بأس به انتهى كلام النووي وقال العيني في شرح البخاري: هذه جرأة شنيعة على إمام أجل من ذلك، وأبو حنيفة لم يكن قال ذلك برأيه وإنما مستنده في ذلك أحاديث منها ما رواه أبو داود عن عبد الله الجربي عن مسعر عن موسى بن عبد الله عن امرأة من بني أسد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان ينبذ له زبيب فيلقى فيه تمر، أو تمر فيلقى فيه زبيب. وروى أيضاً عن زياد الحساني حدثنا أبو بحر حدثنا عتاب بن عبد العزيز حدثتني صفية بنت عطية قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة رضي الله عنها فسألنا عن التمر والزبيب فقالت: كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في الإناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم. وروى محمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن أبي إسحاق وسليمان الشيباني عن ابن زياد أنه أفطر عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسقاه شراباً فكأنه أخذ منه، فلما أصبح غدا إليه، فقال له ما هذا الشراب ما كدت أهتدي إلى منزلي؟ فقال ابن عمر: ما زدناك على عجوة وزبيب. فإن قلت: قال ابن حزم في الحديث الأول لأبي داود امرأة لا تسم، وفي الثاني أبو بحر لا يدري من هو، عن عتاب وهو مجهول عن صفية ولا يدري من هي. قلت: هذه ثلاثة أحاديث يشد بعضها بعضاً انتهى كلام العيني. قلت: في سند حديث عائشة الأول امرأة مجهولة وفي سند حديثها الثاني صفية بنت عطية وهي أيضاً مجهولة، وفي أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان، قال المنذري: لا يحتج بحديثه. وأما الحديث الثالث فليس بمرفوع فكيف يقال إن هذه الأحاديث يشد بعضها بعضاً، ولو سلم أن بعضها يشد بعضاً فغاية ما فيها أنها تدل على مطلق الجواز فهي قرينة على أن النهي في حديث جابر وما في معناه من الأحاديث الصحيحة المرفوعة محمول كراهة التنزيه، ولذلك ذهب الجمهور إلى الكراهة التنزيهية، ولذلك أنكروا على الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى في قوله بالجواز بلا كراهة فاعتراض العيني على النووي بقوله: هذه جرأة شنيعة الخ ليس مما ينبغي. قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه بزيادة. قوله: (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن سليمان التيمي) هو ابن طرخان (عن أبي نضرة) عن العبدي. قوله: (نهى عن البسر والتمر أن يخلط بينهما) يعني في الانتباذ، وفي رواية لمسلم: من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيباً فرداً أو تمراً فرداً أو بسراً فرداً. قوله: (وفي الباب عن أنس وجابر وقتادة وابن عباس وأم سلمة ومعبد بن كعب عن أمه)، أما حديث أنس فأخرجه أحمد والنسائي عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجمع بين شيئين نبيذاً يبغي أحدهما على صاحبه. وأما حديث جابر فأخرجه الجماعة إلا الترمذي بلفظ: نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعاً ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعاً. قال في المنتقى بعد ذكره: رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه فصل الرطب والبسر انتهى. وأما حديث أبي قتادة فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم والنسائي. وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو داود عن كبشة بنت أبي مريم قالت: سألت أم سلمة رضي الله تعالى عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه؟ قالت: كان ينهانا أن نعجم النوى طبخاً أو نخلط الزبيب والتمر. وأما حديث معبد بن كعب عن أمه فلينظر من أخرجه. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم.
1882- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ حدثنا شُعْبَةُ عن الْحَكَمِ قالَ سَمِعْتُ ابنَ أبي لَيْلَى يُحَدّثُ أنّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى فأتاهُ إنْسَانٌ بإِنَاء مِنْ فِضّة فَرَمَاهُ بِهِ وقالَ إنّي كنْتُ قد نَهَيْتُهُ فأَبَى أنْ يَنْتَهِيَ "إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الشّرْبِ في آنِيَةِ الفِضّةِ والذهب ولُبْسِ الْحَرِيرِ والدّيْبَاجِ وقالَ: هِيَ لَهُمْ في الدّنْيَا وَلَكُمْ في الاَخرة". قال وفي البابِ عن أُمّ سَلَمَة والبَرَاءِ وعَائِشَةَ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (حدثنا بندار) هو محمد بن بشار (سمعت ابن أبي ليلى) هو عبد الرحمن. قوله: (إن حذيفة استسقى) وفي رواية البخاري: كان حذيفة بالمدائن فاستسقى، والمدائن اسم بلفظ الجمع هو بلد عظيم على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ وكان حذيفة رضي الله عنه عاملاً عليها في خلافة عمر ثم عثمان إلى أن مات بعد قتل عثمان (فأتاه إنسان) وفي رواية للبخاري: فأتاه دهقان، وفي رواية أخرى له: فسقاه مجوسي، قال الحافظ: لم أقف على اسمه بعد البحث (فرماه به) وفي رواية: فرمى به في وجهه (وقال إني كنت قد نهيته فأبى أن ينتهي) وفي رواية للبخاري: فقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة) كذا وقع في معظم الروايات عن حذيفة الإقتصار على الشرب، ووقع عند أحمد عن طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى بلفظ: نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة وأن يؤكل فيها (ولبس الحرير والديباج) قال في النهاية: الديباج هو الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب وقد تفتح داله ويجمع على ديباج ودبابيج بالياء والباء، لأن أصله دباج انتهى. قيل الديباج نوع من الحرير مختص بهذا الاسم فتخصيصه لئلا يتوهم عدم دخوله فيه (وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (هي لهم) أي للكفار (في الدنيا ولكم في الاَخرة) ليس المراد بقوله هي لهم في الدنيا إباحة استعمالهم إياها وإنما المعنى هم الذين يستعملونها مخالفة لزي المسلمين، وكذا قوله: ولك في الاَخرة، أي تستعملونها مكافأة لكم على تركها في الدنيا، ويمنع أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعمالها، قاله الإسماعيلي. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن الذي يتعاطى ذلك في الدنيا لا يتعاطاه في الاَخرة كما في شرب الخمر انتهى. قوله: (وفي الباب عن أم سلمة والبراء وعائشة) أما حديث أم سلمة فأخرجه الشيخان عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم، وفي رواية لمسلم: إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب كذا في المشكاة. وأما حديث البراء فأخرجه الشيخان أيضاً عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض الحديث وفيه: ونهانا عن خواتيم الذهب وعن الشرب في الفضة الخ. وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد وابن ماجه بنحو حديث أم سلمة. وفي الباب أيضاً عن أبي هريرة وابن عمر، ذكر حديثيهما المنذري في كتابه الترغيب والترهيب، أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مكلف رجلاً كان أو امرأة، ولا يلتحق ذلك بالحلى للنساء لأنه ليس من التزين الذي أبيح لها في شيء. قال القرطبي وغيره: في الحديث تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، ويلحق بهما ما في معناهما مثل الطيب والتكحل وسائر وجود الاستعمالات وبهذا قال الجمهور، كذا في فتح الباري. قلت: وقد أجاز الأمير والقاضي الشوكاني استعمال الأواني من الفضة في غير الأكل والشرب كالتطيب والتكحل وغير ذلك، قال الأمير في السبل: الحديث دليل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وصحافهما سواء أكان الإناء خالصاً ذهباً أو مخلوطاً بالفضة إذ هو ما يشمله أنه إناء ذهب وفضة، قال: وهذا في الأكل والشرب فيما ذكر لا خلاف فيه، وأما غيرهما ففيها الخلاف من سائر الاستعمالات، قيل لا تحرم لأن النص لم يرد إلا في الأكل والشرب، وقيل تحرم سائر الاستعمالات إجماعاً، ونازع في الأخير بعض المتأخرين وقال النص في الأكل والشرب لا غير وإلحاق سائر الاستعمالات بهما قياساً لا يتم فيه شرائط القياس، والحق ما ذهب إليه القائل بعدم تحريم غير الأكل والشرب فيهما إذ هو الثابت بالنص ودعوى الإجماع غير صحيحة انتهى كلام صاحب السبل مختصراً. قال الشوكاني في النيل: ولا شك أن أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب وأما سائر الاستعمالات فلا والقياس على الأكل والشرب قياس مع الفارق، فإن علة النهي عن الأكل والشرب هي التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليه بآنية من فضة، وذلك مناط معتبر للشارع كما ثبت عنه لما رأى رجلاً متختماً بخاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة. أخرجه الثلاثة من حديث بريدة، وكذلك في الحرير وغيره وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي والإفتراش للحرير لأن ذلك استعمال وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال. والحاصل أن الأصل الحل فلا تثبت الحرمة إلا بدليل يسلمه الخصم، ولا دليل في المقام بهذ الصفة، فالوقوف على ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف الذي لم يخبط بسوط هيبة الجمهور لا سيما وقد أيد هذا الأصل حديث: ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعباً، أخرجه أحمد وأبو داود، ويشهد له ما سلف: أن أم سلمة جاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله فخضخضت الحديث انتهى كلام الشوكاني باختصار. قلت: أثر أم سلمة في استعمالها الجلجل من الفضة أخرجه البخاري عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها بإناء فخضخضت له فشرب منه، فاضطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمراً. قال الكرماني: ويحمل على أنه كان مموهاً بفضة لا أنه كان كله فضة. قال الحافظ: وهذا ينبيء على أن أم سلمة كانت لا تجيز استعمال آنية الفضة في غير الأكل والشرب، ومن أين له ذلك؟ فقد أجاز ذلك جماعة من العلماء قال الشوكاني: والحق الجواز في الأكل والشرب لأن الأدلة لم تدل على غيرها بين الحالتين انتهى. قلت: وأما قول الشوكاني بأنه قد أيد هذا الأصل حديث: ولكن عليكم بالفضلة فالعبوا بها لعباً، ففيه نظر ظاهر قد بينا ذلك في أواخر أبواب اللباس. قوله: (هذا حديث صحيح حسن) أخرجه الأئمة الستة.
1883- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا ابنُ أبِي عَدِي عن سَعِيد بن أبي عروبة عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يَشْرَبَ الرّجُلُ قَائِماً. فَقِيلَ: الأَكْلُ؟ قالَ: ذَاكَ أَشَرّ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة. قوله: (فقيل الأكل قال ذاك أشد) وفي رواية مسلم: قال قتادة: فقلنا فالأكل؟ فقال: ذاك أشعر أو أخبث، وسيأتي الجمع بينه وبين ما يخالفه في الباب الذي يليه. قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم. قوله: (حدثنا خالد بن الحارث) هو الهجميمي أبو عثمان البصري (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن أبي مسلم الجذمي) بالجيم المعجمة مقبول من الثالثة (عن الجارود بن العلاء) قال في التقريب: الجارود العبدي اسمه بشر واختلف في اسم أبيه فقيل المعلى أو العلاء وقيل عمرو، صحابي جليل استشهد سنة إحدى وعشرين. قوله: (نهى عن الشرب قائماً) أي نهى تنزيه كما سيتضح لك. قوله: (وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وأنس) أما حديث سعيد فأخرجه أحمد ومسلم بلفظ: نهى عن الشرب قائماً، وفي رواية لمسلم: زجر عن الشرب قائماً. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يشربن أحد منكم قائماً فمن نسي فليستق، وأما حديث أنس فأخرجه مسلم وأبو داود بلفظ: زجر عن الشرب قائماً. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار (وهكذا روى غير واحد هذا الحديث عن سعيد عن قتادة عن أبي سليم عن جارود عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني بغير واسطة بين قتادة وبين أبي مسلم (وروى عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبي مسلم عن الجارود) يعني بذكر واسطة يزيد بن عبد الله بين قتادة وبين أبي مسلم. ولا يلزم من هذا انقطاع حديث الجارود في النهي عن الشرب قائماً المذكور في الباب، فإن الظاهر أن قتادة سمع حديث النهي عن الشرب قائماً من أبي مسلم بغير واسطة وروى حديث الضالة عن أبي مسلم بواسطة يزيد بن عبد الله وقتادة كما يروى عن يزيد بن عبد الله كذلك يروى عن أبي مسلم أيضاً. قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي مسلم الجذمي: روى عن الجارود العبدي وغيره، وعنه مطرف وأبو العلاء يزيد ابنا عبد الله بن الشخير وقتادة وغيرهم، وقال في ترجمة يزيد بن عبد الله بن الشخير: روى عنه قتادة وغيره. قوله (ضالة المسلم) في النهاية هي الضائعة من كل ما يقتضى من الحيوان وغيره، يقال ضل الشيء إذا ضاع وهي في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والأنى والانثين والجمع ويجمع على ضوال، والمراد بها في هذا الحديث الضالة من الإبل والبقر مما يحمى نفسه ويقدر على الإبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم (حرق النار) بفتح الحاء والراء وقد يسكن لهبها أى أن ضالة المؤمن إذا أخذها إنسان ليتملكها أدته إلى النار، كذا في النهاية وحديث الجارود هذا أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والدارمي.
|